إنجاز علمي جديد.. تطوير ترانزستورات نانوية ثلاثية الأبعاد تتفوق على الحالية بـ 20 مرة 

تُعدّ ترانزستورات السيليكون، هي العمود الفقري للإلكترونيات الحديثة، فهي المكون الأساسي في معظم الأجهزة الإلكترونية، ابتداءً من الهواتف الذكية ووصولًا إلى الحواسيب العملاقة، ومع ذلك، تواجه هذه الترانزستورات تحديًا جوهريًا يحد من قدرتها على العمل بكفاءة عالية.

ويعرف هذا التحدي باسم (طغيان بولتزمان) Boltzmann tyranny، وهو حد فيزيائي يمنع ترانزستورات السيليكون من العمل بكفاءة عالية عند جهد كهربي منخفض، ويعني ذلك أن هذه الترانزستورات تستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة لتشغيل الأجهزة، مما يحد من عمر البطارية ويولد حرارة زائدة، ومع تزايد طلب الأجهزة الإلكترونية العالية الأداء، مثل تلك المستخدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، أصبح التغلب على هذا التحدي ضرورة ملحة.

حل مبتكر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا:

في خطوة نحو تجاوز هذه القيود، تمكن باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من تطوير نوع جديد من الترانزستورات الثلاثية الأبعاد، التي تتميز بتركيبة فريدة من المواد شبه الموصلة الفائقة الرقة البديلة للسيليكون، التي تسمح لها بالعمل بكفاءة عالية عند جهد كهربي أقل بكثير من ترانزستورات السيليكون التقليدية.

ولكن كيف تعمل هذه الترانزستورات الجديدة، وما مزاياها، وما أهمية هذا الابتكار في مجال الإلكترونيات والذكاء الاصطناعي؟

كيف تعمل هذه الترانزستورات الجديدة؟

تعمل ترانزستورات السيليكون في الأجهزة الإلكترونية كمفاتيح، فعندما نطبق جهدًا كهربائيًا عليها، فإنها تسمح للإلكترونات بالمرور عبرها، وتتحول من حالة (إيقاف) إلى حالة (تشغيل)، وبذلك تتمكن للترانزستورات من تمثيل الإشارات الرقمية (الصفر والواحد)، التي تشكل أساس جميع العمليات الحسابية في الأجهزة الإلكترونية.

ولكن من أجل تحويل الترانزستور من حالة الإيقاف إلى حالة التشغيل، يجب تطبيق جهد كهربائي يكفي لتجاوز حاجز الطاقة الذي يفصل بين حالتي الترانزستور، وتُعرف هذه العملية، باسم (منحدر التبديل)، وهو ما يحدد سرعة الترانزستور وكفاءته. فكلما كان المنحدر أكثر حدة، كلما كان الجهد المطلوب لتشغيل الترانزستور أقل وزادت كفاءته في استخدام الطاقة.

ولكن هذه الترانزستورات تواجه تحديات تمنع عملها عند جهد معين في درجة حرارة الغرفة، مما يؤدي إلى استهلاك كبير للطاقة، ونتيجة لذلك فإن الأجهزة الحديثة التي تعتمد على السيليكون لا تستطيع تحقيق الأداء المطلوب بأقل استهلاك للطاقة.

ولتجاوز هذه القيود، طور الباحثون ترانزستورات بمواد أشباه موصلات جديدة، وهي: (أنتيمونيد الجاليوم) Gallium antimonide، و(زرنيخيد الإنديوم) indium arsenide، واستغلوا ظاهرة فريدة في عالم الكم تعرف باسم (النفق الكمومي) Quantum Tunneling، التي تسمح للإلكترونات باختراق حواجز الطاقة بدلًا من تجاوزها بشكل مباشر.

ويعني ذلك أنه يمكن تشغيل الترانزستور وإيقافه بجهد أقل بكثير مما هو مطلوب في ترانزستورات السيليكون التقليدية، مما يؤدي إلى تحسين كبير في سرعة الترانزستور.

وقد استخدم الباحثون أحدث التقنيات المتاحة في منشأة (MIT.nano) المتخصصة في الأبحاث النانوية لتطوير ترانزستورات نانوية ثلاثية الأبعاد تتميز بهياكل غير متجانسة من الأسلاك النانوية الرأسية التي يبلغ قطرها 6 نانومترات فقط – وهي تُعدّ أصغر ترانزستورات ثلاثية الأبعاد طُورت حتى الآن –  مما سمح لهم بتحقيق (منحدر تبديل) حاد، ويعني ذلك أن الترانزستور يمكنه التنقل بسرعة بين حالتي التشغيل والإيقاف بأقل طاقة ممكنة.

وقد أظهرت التجارب التي أجراها الباحثون على هذه الترانزستورات أنها تحقق أداءً يفوق الأنواع التقليدية بنسبة تبلغ 20 مرة.

ويقول يانجي شاو، الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية التي نُشرت حول الترانزستورات الجديدة: “تُعدّ هذه الترانزستورات الجديدة قفزة نوعية في عالم الإلكترونيات. فهي لا تقتصر على أداء الوظائف التي يقوم بها السيليكون فحسب، بل تتفوق عليه بكفاءة طاقية كبيرة، مما يفتح آفاقًا جديدة لتطبيقات لم تكن ممكنة من قبل”.

كما يصف البروفيسور خيسوس ديل ألامو، أستاذ الهندسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، هذا الإنجاز بأنه اختراق علمي، مؤكدًا أن هذه التقنية الجديدة تتطلب فيزياء جديدة لتجاوز حدود التقنيات الحالية.

مزايا الترانزستورات الجديدة:

  • منحدرات تبديل حادة: تتميز ترانزستورات النفق الكمومي بمنحدرات تبديل حادة، مما يعني أنها قادرة على التنقل بسرعة بين حالتي التشغيل والإيقاف بأقل طاقة ممكنة.
  • كفاءة عالية في استخدام الطاقة: نظرًا إلى أنها تتطلب جهدًا أقل لتشغيلها، فإن ترانزستورات النفق الكمومي أكثر كفاءة في استخدام الطاقة من نظيراتها السيليكونية.
  • أداء محسّن: من المتوقع أن تؤدي ترانزستورات النفق الكمومي إلى تطوير أجهزة إلكترونية أسرع وأصغر وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.

ما أهمية هذا الابتكار؟

يمثل هذا الاكتشاف قفزة نوعية في مجال الإلكترونيات، إذ يفتح الباب أمام تطوير أجهزة إلكترونية أسرع وأصغر وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة. ويمكن أن يكون لهذا الابتكار تطبيقات واسعة في العديد من المجالات، بما يشمل:

  • تطوير الأجهزة: يساعد هذا الابتكار في تطوير أجهزة محمولة أكثر قوة  في الأداء وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، مما يقلل من الحاجة إلى أنظمة تبريد معقدة ويطيل عمر البطاريات في الأجهزة خاصة في تلك التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.
  • الذكاء الاصطناعي: تتيح ترانزستورات النفق الكمومي إجراء عمليات حسابية معقدة بشكل أسرع بكثير مما يسرع عمليات التعلم العميق وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
  • إنترنت الأشياء: يمكن إدماج هذه الترانزستورات في أجهزة إنترنت الأشياء الصغيرة والقابلة للارتداء، مما يزيد من وظائفها وخفض تكلفتها.

الخطوات القادمة:

يواجه الباحثون حاليًا تحديًا يتمثل في تحقيق تجانس تام في أداء الترانزستورات النانوية عبر الشريحة بأكملها، لأن الاختلاف الطفيف في الأبعاد يمكن أن يؤثر بشكل كبير في سلوك الجهاز. لذلك، يسعون إلى تطوير تقنيات تصنيع أكثر دقة لزيادة تجانس الترانزستورات في الشريحة الواحدة، بالإضافة إلى استكشاف تصميمات جديدة للهياكل النانوية، مثل: الهياكل الزعنفية والترانزستورات النانوية الرأسية، لتحقيق أداء أفضل وأعلى موثوقية ممكنة.

تم نسخ الرابط
تابعنا